فصل: فَصْلٌ: حُكْمُ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ فِي قَدْرِ الْمِلْكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: صِفَةُ النَّسَب الثَّابِتِ:

وَأَمَّا صِفَةُ النَّسَب الثَّابِتِ فَالنَّسَبُ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ إذَا ثَبَتَ يَلْزَمُ حَتَّى لَا يَحْتَمِلَ النَّفْيَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ فِي جَانِبهنَّ يَثْبُتُ بِالْوِلَادَةِ وَلَا مَرَدَّ لَهَا.
(وَأَمَّا) فِي جَانِبِ الرِّجَالِ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَحْتَمِلُ النَّفْيَ وَنَوْعٌ لَا يَحْتَمِلُهُ أَمَّا مَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ فَنَوْعَانِ (نَوْعٌ) يَنْتَفِي بِنَفْسِ النَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وَنَوْعٌ لَا يَنْتَفِي بِنَفْسِ النَّفْيِ بَلْ بِوَاسِطَةِ اللِّعَانِ (أَمَّا الَّذِي) يَنْتَفِي بِنَفْسِ النَّفْيِ فَهُوَ نَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ أُمِّ الْوَلَدِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى احْتَمَلَ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ بِالتَّزْوِيجِ فَاحْتَمَلَ الِانْتِفَاءَ بِنَفْسِ النَّفْيِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى اللِّعَانِ.
(وَأَمَّا) الَّذِي لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ فَهُوَ نَسَبُ وَلَدِ زَوْجَةٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْف عَلَى مَا ذَكَرنَا فِي كِتَابِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ فَكَانَ قَوِيًّا فَلَا يَحْتَمِلُ الِانْتِفَاءَ بِنَفْسِ النَّفْيِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ اللِّعَانُ.
وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاءَ بِوَاسِطَةِ اللِّعَانِ وَلَا لِعَانَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِانْعِدَامِ الزَّوْجِيَّةِ حَقِيقَةً لِمَا عُلِمَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا الَّذِي) لَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ فَهُوَ نَسَبُ وَلَدِ زَوْجَةٍ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ مِمَّنْ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ بِالنَّفْيِ وَكَذَا النَّسَبُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ إنْكَارًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُسْمَعُ إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ نَوْعَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ لِمَا ذَكَرنَا فِي كِتَابِ اللِّعَانِ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ:

وَأَمَّا حُكْمُ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ لَا غَيْرُ أَمَّا حُكْمُهُ فِي النَّسَبِ فَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ النَّسَبِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الْمِلْكِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) فِي حُكْمِ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي قَدْرِ الْمِلْكِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَسَبِيلُ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ مَا هُوَ سَبِيلُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيهِ مِنْ طَلَبِ التَّرْجِيحِ وَالْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ تَصْحِيحًا لِلدَّعْوَتَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ رَجُلَانِ ادَّعَيَا دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَهِيَ لِلرَّاكِبِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلدَّابَّةِ فَكَانَتْ فِي يَدِهِ (وَكَذَلِكَ) إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ حَمْلٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ كَوْرٌ مُعَلَّقٌ أَوْ مِخْلَاةٌ مُعَلَّقَةٌ فَصَاحِبُ الْحَمْلِ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا رَاكِبَيْنِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرَ رَدِيفُهُ فَهِيَ لَهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَرُوِيَ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لِرَاكِبِ السَّرْجِ لِقُوَّةِ يَدِهِ (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا جَمِيعًا اسْتَوَيَا فِي أَصِلْ الِاسْتِعْمَالِ فَكَانَتْ الدَّابَّةُ فِي أَيْدِيهمَا فَكَانَتْ لَهُمَا.
وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَهِيَ لَهُمَا إجْمَاعًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ ادَّعَيَا عَبْدًا صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ وَالْبَهَائِمِ فَتَبْقَى الْيَدُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى صَبِيًّا صَغِيرًا مَجْهُولَ النَّسَبِ فِي يَدِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ ثُمَّ كَبَرَ الصَّبِيُّ فَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ فَلَا تَزُولُ يَدُهُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ (وَبِمِثْلِهِ) لَوْ ادَّعَى غُلَامًا كَبِيرًا أَنَّهُ عَبْدُهُ وَقَالَ الْغُلَامُ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَاهُ فِي حَالٍ هُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ ادَّعَيَا عَبْدًا كَبِيرًا فَقَالَ الْعَبْدُ أَنَا عَبْدٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهُ لِرَجُلٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي إقْرَارِهِ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ إقْرَارٌ بِسُقُوطِ يَدِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا قَوْلَ لَهُ وَلَوْ قَالَ كُنْت عَبْدَ فُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي وَأَنَا حُرٌّ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَبْدِ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ إذْ الْحُرِّيَّةُ أَصْلٌ فِي بَنِي آدَمَ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَقَدْ أَقَرَّ بِزَوَالِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَثُبُوتِ الْعَارِضِ وَهُوَ الرِّقُّ مِنْهُ فَصَارَ الرِّقُّ فِيهِ هُوَ الْأَصْلَ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَلَوْ ادَّعَيَا ثَوْبًا وَأَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِذَيْلِهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِلثَّوْبِ (وَلَوْ ادَّعَيَا) بِسَاطًا وَأَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ الْجَالِسُ بِجُلُوسِهِ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ أَوْلَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ عَلَيْهِ (وَلَوْ ادَّعَيَا) دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ (وَكَذَلِكَ) لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ حَفْرٍ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ؛ لِأَنَّ سُكْنَى الدَّارِ وَإِحْدَاثَ الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ تَصَرُّفٌ فِي الدَّارِ فَكَانَتْ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرُ خَارِجٌ مِنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا (وَكَذَا) إذَا كَانَا جَمِيعًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تَثْبُتُ بِالْكَوْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ وُجِدَ خَيَّاطٌ يَخِيطُ ثَوْبًا فِي دَارِ إنْسَانٍ فَاخْتَلَفَا فِي الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْخَيَّاطِ صُورَةً فَهُوَ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّارِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْخَيَّاطَ وَمَا فِي يَدِهِ فِي دَارِهِ وَالدَّارُ فِي يَدِهِ فَمَا فِيهَا يَكُونُ فِي يَدِهِ (حَمَّالٌ) خَرَجَ مِنْ دَارِ رَجُلٍ وَعَلَى عَاتِقِهِ مَتَاعٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَامِلُ يُعْرَفُ بِبَيْعِ ذَلِكَ وَحَمْلِهِ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِر شَاهِدٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِذَلِكَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَكَذَلِكَ) حَمَّالٌ عَلَيْهِ كَارَّةٌ وَهُوَ فِي دَارِ بَزَّازٍ اخْتَلَفَا فِي الْكَارَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْكَارَّةُ مِمَّا يُحْمَلُ فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمَّالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُحْمَلُ فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ رَجُلٌ اصْطَادَ طَائِرًا فِي دَارِ رَجُلٍ فَاخْتَلَفَا فِيهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ قَطُّ فَهُوَ لِلصَّائِدِ سَوَاءٌ اصْطَادَهُ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ الْآخِذُ دُونَ صَاحِبِ الدَّارِ إذْ الصَّيْدُ لَا يَصِيرُ مَأْخُوذًا بِكَوْنِهِ عَلَى حَائِطٍ أَوْ شَجَرَةٍ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ اصْطَدْتُهُ قَبْلَك أَوْ وَرِثْته وَأَنْكَرَ الصَّائِدُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْآخِذُ إذْ لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَى الْهَوَاءِ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ جِدَارِهِ أَوْ شَجَرِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ وَالشَّجَرَ فِي يَدِهِ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي أَخْذِهِ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ الْجِدَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا فِي دَارِ إنْسَانٍ يَكُونُ فِي يَدِهِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَسْأَلَةٌ لِلصَّيْدِ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ وَلَوْ ادَّعَيَا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ فِيهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ حَفْرٍ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ؛ لِأَنَّ سُكْنَى الدَّارِ وَإِحْدَاثَ الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ تَصَرُّفٌ فِي الدَّارِ فَكَانَتْ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرُ خَارِجٌ مِنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تَثْبُتُ بِالْكَوْنِ فِيهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ ادَّعَيَا حَائِطًا مِنْ دَارَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِلْحَائِطِ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُذُوعٌ فَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ سَوَاءٌ اسْتَوَتْ جُذُوعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ بَعْدَ أَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ جُذُوعٍ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي اسْتِعْمَالِ الْحَائِطِ فَاسْتَوَيَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْبَيْتِ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَلَى الْآخَرِ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ زِدْ أَنْتَ أَيْضًا إلَى تَمَامِ عَدَدِ خَشَبِ صَاحِبِك إنْ أَطَاقَ الْحَائِطُ حَمْلَهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَك الزِّيَادَةُ وَلَا النَّزْعُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ جُذُوعٍ وَلِلْآخَرِ جِذْعٌ أَوْ جِذْعَانِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ (وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ زِيَادَةَ الِاسْتِعْمَالِ بِكَثْرَةِ الْجُذُوعِ زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْحَجَّةِ لَا يَقَعُ بِهَا التَّرْجِيحُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةٌ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ دَلَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الِاسْتِعْمَالِ لَا قَدْرُهُ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ (وَوَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يُقَالَ نَعَمْ لَكِنَّ أَصْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يُبْنَى لَهُ عَادَةً وَإِنَّمَا يُبْنَى لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ مِمَّا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَالثَّلَاثَةُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ فَقُيِّدَ بِهِ فَكَانَ مَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الْجُذُوعِ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَأَمَّا مَوْضِعُ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ فَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ حَقُّ وَضَعَ الْجِذْعِ لَا أَصْلُ الْمِلْكِ وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى لَهُ مَوْضِعُ الْجِذْعِ مِنْ الْحَائِطِ وَمَا وَرَاءَهُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ (وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمِلٌ لِذَلِكَ الْقَدْرِ حَقِيقَةً فَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي يَدِهِ فَيَمْلِكُهُ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْإِقْرَارِ مَا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا يَحْصُلُ بِالْجِذْعِ وَالْجِذْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لَهُ عَادَةً فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْحَائِطِ فِي يَدِهِ فَكَانَ كُلُّهُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْجُذُوعِ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجِذْعِ مَمْلُوكًا لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْحَائِطِ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ حَقُّ الْوَضْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْحَائِطَ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَإِذَا أَقَامَهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْوَضْعَ مِنْ الْأَصْلِ كَانَ بِغَيْرِ حَقِّ وِلَايَةِ الدَّفْعِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَا الْحَائِطَ لَهُ لِظَاهِرِ الْيَدِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلتَّقْرِيرِ لَا لِلتَّغْيِيرِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ إحْدَى الدَّارَيْنِ اتِّصَالَ الْتِزَاقٍ وَارْتِبَاطٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ الْتِزَاقٍ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٍ فَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ وَلَا اسْتِعْمَالَ مِنْ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ الْتِزَاقٍ وَارْتِبَاطٍ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ فَصَاحِبُ التَّرْبِيعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ أَقْوَى مِنْ اتِّصَالِ الِالْتِزَاقِ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٍ فَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي صُورَةِ التَّرْبِيعِ فَنَقُولُ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّرْبِيعَ هُوَ أَنْ يَكُونَ أَنْصَافُ أَلْبَانِ الْحَائِطِ مُدَاخَلَةً حَائِطَ إحْدَى الدَّارَيْنِ يُبْنَى كَذَلِكَ كَالْأَزَجِ وَالطَّاقَاتِ فَكَانَ بِمَعْنَى النِّتَاجِ فَكَانَ صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَفْسِيرَ التَّرْبِيعِ أَنْ يَكُونَ طَرَفَا هَذَا الْحَائِط الْمُدَّعَى مُدَاخَلِينَ حَائِطَ إحْدَى الدَّارَيْنِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُدَاخَلَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ جَانِبَيْ الْحَائِطِ كَانَ صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى وَجْه قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى النِّتَاجِ حَيْثُ حَدَثَ مِنْ بِنَائِهِ كَذَلِكَ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْمُدَاخَلَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تُوجِبُ الِاتِّحَادَ وَجَعْلَ الْكُلِّ بِنَاءً وَاحِدًا فَسَقَطَ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ لِضَرُورَةِ الِاتِّحَادِ فَمِلْكُ الْبَعْضِ يُوجِبُ مِلْكَ الْكُلِّ ضَرُورَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّفْعِ بَلْ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ مِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ يَحْتَمِلُ الِانْفِصَالَ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّقْفَ الَّذِي هُوَ بَيْنَ بَيْتِ الْعُلُوِّ وَبَيْنَ بَيْتِ السُّفْلِ هُوَ مِلْكُ صَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ حَقُّ الْقَرَارِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ رَفْعَ السَّقْفِ مُنِعَ مِنْهُ شَرْعًا كَذَا هَذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ حَقُّ وَضْعِ الْجِذْعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّفْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ تَفْسِيرِ التَّرْبِيعِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلِرَجُلٍ آخِرَ دَارٌ بِجَنْبِ تِلْكَ الدَّارِ وَبَيْنَهُمَا حَائِطٌ وَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ حَائِطِ الْمُدَّعِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْبَيْعَ فَلَمْ يَكُنْ مَبِيعًا فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِبِنَاءِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّةِ الْحَائِطِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِحَائِطِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ فَكَانَ مَبِيعًا فَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِحَائِطِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَا يَرْجِعُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ أَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ إذَا كَانَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ وَاسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ لَا تُنْزَعُ الْجُذُوعُ بَلْ تُتْرَكُ عَلَى حَالِهَا لِمَا ذَكَرنَا وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ سُتْرَةٌ أَوْ بِنَاءٌ وَصَاحِبُهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ السُّتْرَةَ وَالْبِنَاءَ لَهُ فَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ الْحَائِطَ بِالسُّتْرَةِ فَكَانَ فِي يَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُتْرَةٌ وَلَكِنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ مَرَادَيْ هُوَ الْقَصَبُ الْمَوْضُوعُ عَلَى رَأْسِ الْجِدَارِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ بِالْمُرَادِي وَالْبَوَادِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمُرَادِي عَلَى الْحَائِطِ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لَهُ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَوْ كَانَ وَجْهُ الْحَائِطِ إلَى أَحَدِهِمَا وَظَهْرُهُ إلَى الْآخَرِ وَكَانَ أَنْصَافُ اللَّبِنِ أَوْ الطَّاقَاتِ إلَى أَحَدِهِمَا فَلَا حُكْمَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَائِطُ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا الْحَائِطُ لِمَنْ إلَيْهِ وَجْهُ الْبِنَاءِ وَأَنْصَافُ اللَّبِنِ وَالطَّاقَاتِ وَهَذَا إذَا جُعِلَ الْوَجْهُ وَقْتَ الْبِنَاءِ حِينَ مَا بَنَى فَأَمَّا إذَا جُعِلَ بَعْدِ الْبِنَاءِ بِالنَّقْشِ وَالتَّطَيُّنِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا ادَّعَيَا بَابًا مُغْلَقًا عَلَى حَائِطٍ بَيْنَ دَارَيْنِ وَالْغَلْقُ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْبَابُ لَهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِمَنْ إلَيْهِ الْغَلْقُ وَلَوْ كَانَ لِلْبَابِ غَلِقَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ لَهُمَا إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خُصٌّ بَيْنَ دَارَيْنِ أَوْ بَيْنَ كَرْمَيْنِ وَالْقِمْطُ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْخُصُّ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِمْطِ وَعِنْدَهُمَا الْخُصُّ لِمَنْ إلَيْهِ الْقِمْطُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَاتِ يَجْعَلُونَ وَجْهَ الْبِنَاءِ وَأَنْصَافَ اللَّبَنِ وَالطَّاقَاتِ وَالْغَلْقِ وَالْقِمْطِ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِنَاؤُهُ فَكَانَ فِي يَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا دَلِيلُ الْيَدِ فِي الْمَاضِي لَا وَقْتَ الدَّعْوَةِ وَالْيَدُ فِي الْمَاضِي لَا تَدُلُّ عَلَى الْيَدِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ وَالْحَاجَةُ فِي إثْبَاتِ الْيَدِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُضِيَ بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِصَاحِبِهِ إذَا طُلِبَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكِل يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُرُورِ فِي دَارٍ وَلِأَحَدِهِمَا بَابٌ مِنْ دَارِهِ إلَى تِلْكَ الدَّارِ فَلِصَاحِبِ الدَّارِ مَنْعُ صَاحِبِ الْبَابِ عَنْ الْمُرُورِ فِيهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ فِي دَارِهِ طَرِيقًا وَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْبَابِ بِالْبَابِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ إلَى دَارِ غَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ بِحَقٍّ لَازِمٍ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَصْلًا وَقَدْ يَكُونُ بِحَقٍّ غَيْرِ لَازِمٍ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى حَقِّ الْمُرُورِ فِي الدَّارِ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ كَانَ يَمُرُّ فِيهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ شَيْئًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُرُورَهُ فِيهَا كَانَ غَصْبًا أَوْ إبَاحَةً وَلَئِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِحَقِّ الْمُرُورِ لَكِنْ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ لِلْحَالِ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ لَهُ فِيهَا طَرِيقًا فَإِنْ حَدُّوا الطَّرِيقَ فَسَمَّوْا طُولَهُ وَعَرْضَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَحُدُّوهُ كَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ حَمَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ صَاحِبِ الدَّارِ بِالطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ أَمَّا جَهَالَةُ الْمَقَرِّ بِهِ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ طُولُهُ مَعْلُومٌ وَعَرْضُهُ مِقْدَارُ عَرْضِ الْبَابِ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ فَكَانَتْ هَذِهِ شَهَادَةُ بِمَعْلُومٍ فَتُقْبَلُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ طَرِيقًا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرنَا وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِيزَابٌ فِي دَارِ رَجُلٍ فَاخْتَلَفَا فِي مَسِيلِ الْمَاءِ فَلِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ التَّسْيِيلِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَسِيلَ مَاءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْمِيزَابِ بِنَفْسِ الْمِيزَابِ شَيْئًا لِمَا ذَكَرنَا وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمِيزَابَ إذَا كَانَ قَدِيمًا فَلَهُ حَقُّ التَّسْيِيلِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ فِي نَهْرٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ كَانَ النَّهْرُ مَشْغُولًا بِالْمَاءِ فَكَانَ النَّهْرُ مُسْتَعْمَلًا بِهِ فَكَانَ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ فَإِنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمِيزَابِ مَاءٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّهْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَاءَ يَسِيلُ فِي الْمِيزَابِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ التَّسْيِيلَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَذَا الشَّهَادَةُ مَا قَامَتْ بِحَقٍّ كَائِنٍ عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الدَّارِ مِنْ حَيْثُ التَّسْيِيلُ فَإِنْ بَيَّنُوا أَنَّهُ لِمَاءِ الْمَطَرِ فَهُوَ لِمَاءِ الْمَطَرِ وَإِنْ بَيَّنُوا أَنَّهُ مَسِيلُ مَاءٍ دَائِمٍ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ أَيْضًا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ أَوْ لِمَاءِ الْمَطَرِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَقِّ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبَقِيَتْ الصِّفَةُ مَجْهُولَةً فَيَتَبَيَّنُ بِبَيَانِ صَاحِبِ الدَّارِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَصْلًا يُسْتَحْلَفُ صَاحِبُ الدَّارِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكِل يُقْضَى بِالنُّكُولِ كَمَا فِي بَابِ الْأَمْوَالِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ فِي قَدْرِ الْمِلْكِ:

وَأَمَّا حُكْمُ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ فِي قَدْرِ الْمِلْكِ فَهُوَ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ فَنَقُولُ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَإِمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَإِمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ وَإِمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بِأَلْفٍ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَإِمَّا إنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِمَّا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ وَإِمَّا إنْ تَغَيَّرَتْ إلَى الزِّيَادَةِ أَوْ إلَى النُّقْصَانِ.
فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ ثَمَنٍ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَيْهِ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَلْفِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَتَحَالَفَانِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْبَائِعُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا لِسَلَامَةِ الْمَبِيعِ لَهُ وَالْبَائِعُ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ ثَمَنٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا التَّحَالُفَ وَهُوَ الْحَلِفُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِنَصٍّ خَاصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَيُقَالُ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ وَالْمُشْتَرِي أَشَدُّ إنْكَارًا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَالْبَائِعُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمُنْكِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا فَكَانَ أَشَدَّ إنْكَارًا مِنْهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ مُنْكِرًا لَكِنَّ الْمُشْتَرِي أَسْبَقُ إنْكَارًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُطَالَبُ أَوَّلًا بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يَصِيرَ عَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ أَسْبَقَ إنْكَارًا مِنْ الْبَائِعِ فَيُبْدَأُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكِل لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ ثُمَّ إذَا تَحَالَفَا هَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ أَوْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى فَسْخِ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تُحَالَفَا لَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ فَيَنْفَسِخُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِفَسْخِ الْقَاضِي عِنْدَ طَلَبِهِمَا أَوْ طَلَبِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إمْضَاءَ الْبَيْعِ بِمَا يَقُولُهُ صَاحِبُهُ فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْفَائِدَةِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ التَّصْدِيقِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ وَالْعَقْدُ الْمُنْعَقِدُ قَدْ يَبْقَى لِفَائِدَةٍ مُحْتَمَلَةِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي الثَّابِتِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ فَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِفَسْخِ الْقَاضِي وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ لِانْعِدَامِ الْفَائِدَةِ لِلْحَالِ؛ وَلِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِفَسْخِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا صَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَيَتَنَازَعَانِ فلابد مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَغَيَّرَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَغَيَّرَتْ إلَى الزِّيَادَةِ وَإِمَّا أَنْ تَغَيَّرَتْ إلَى النُّقْصَانِ فَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ إلَى الزِّيَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسَّمْنِ وَالْجَمَالِ مَنَعَتْ التَّحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تُمْنَع الْفَسْخَ عِنْدَهُمَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَتَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَة غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ تَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لِمَنْ هُمَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَهَلَاكُ السِّلْعَةِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمَوْهُوبِ فِي الْمَكْسُوبِ لَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ إجْمَاعًا فَيَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَكَذَا هِيَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى هَلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَإِذَا تَحَالَفَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ؛ لِأَنَّهَا حَدَّثَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَتَطِيبُ لَهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْحِنْثِ فِيهَا هَذَا إذَا تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ إلَى الزِّيَادَةِ فَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَتْ إلَى النُّقْصَانِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَنَذْكُرُ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ نَكِل لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَلَاكَ السِّلْعَةِ هَلْ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا يَمْنَعُ وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» أَثْبَتَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التَّحَالُفَ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَلَا يُقَالُ وَرَدَ هُنَا نَصٌّ خَاصٌّ مُقَيَّدٌ بِحَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا»؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِمَا فِي الْحَمْلِ مِنْ ضَرْبِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ بَلْ يَجْرِي الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ فَكَانَ جَرَيَانُ التَّحَالُفِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ ثَابِتًا بِنَصَّيْنِ وَحَالُ هَلَاكِهَا ثَابِتًا بِنَصٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّصُّ الْمُطْلَقُ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا وَلَهُمَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَبَقِيَ التَّحَالُفُ وَهُوَ الْحَلِفُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْجَبَ جِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى جِنْسِ الْمُنْكِرِينَ فَلَوْ وَجَبَتْ يَمِينٌ لَا عَلَى مُنْكِرٍ لَمْ يَكُنْ جِنْسُ الْيَمِينِ عَلَى جِنْسِ الْمُنْكِرِينَ وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْمُنْكِرُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ثَمَنٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَأَمَّا الْإِنْكَارُ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ؛ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ التَّحَالُفُ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِنَصٍّ خَاصٍّ مُقَيَّدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَهَذَا الْقَيْدُ ثَابِتٌ فِي النَّصِّ الْآخَرِ أَيْضًا دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَتَرَادَّا وَالتَّرَادُّ لَا يَكُونُ إلَّا حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ فَبَقِيَ التَّحَالُفُ حَالَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ مُثْبَتًا بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَيَسْتَوِي هَلَاكُ كُلِّ السِّلْعَةِ وَبَعْضِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّحَالُفِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَلَاكُ السِّلْعَةِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ فِي قَدْر الْهَالِكِ لَا غَيْرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَبَضَهُمَا ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَتَحَالَفَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَائِمَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْهَالِكِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ وَيَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ وَيُتَرَادَّانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيَرُدُّ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَمَّا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّحَالُفِ هُوَ الْهَلَاكُ فَيَتَقَدَّرُ الْمَنْعُ بِقَدْرِهِ تَقْدِيرًا لِلْحُكْمِ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَنْفِي التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ السِّلْعَةِ لِمَا ذَكَرنَا إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا ذَلِكَ بِنَصٍّ خَاصٍّ وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي حَالِ قِيَامِ كُلِّ السِّلْعَةِ فَبَقِيَ التَّحَالُفُ حَالَ هَلَاكِ بَعْضِهَا مَنْفِيًّا بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ؛ وَلِأَنَّ قَدْرَ الثَّمَنِ الَّذِي يُقَابِلُ الْقَائِمَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَا يَجُوزُ التَّحَالُفُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا شَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَدَّ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابِلَةِ الْقَائِمِ فَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْقِيَامِ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَلَاكُ الْمَبِيعِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ حُكْمًا يُلْحَقُ بِالْهَالِكِ حَقِيقَةً وَقَدْ مَرَّ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَسَوَاءٌ خَرَجَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَخُرُوجُ الْبَعْضِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّحَالُفِ بِمَنْزِلَةِ خُرُوجِ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ هُنَا يُؤَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَائِمَ وَحِصَّةَ الْخَارِجِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ حِصَّةُ الْخَارِجِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَالْحُكْمِيُّ أَوْلَى ثُمَّ هَلَاكُ الْكُلِّ بِأَنْ خَرَجَ كُلُّهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى وَإِذَا تَحَالَفَا عِنْدَهُ فَإِنْ هَلَكَ كُلُّ الْمَبِيعِ بِأَنْ خَرَجَ كُلُّهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَالْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ بِأَنْ خَرَجَ الْبَعْضُ عَنْ مِلْكِهِ دُونَ الْبَعْضِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَفِي تَشْقِيصِهِ عَيْبٌ فَالْبَائِعُ بَعْدَ التَّحَالُفِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ الْهَالِكِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْبَاقِيَ وَأَخَذَ قِيمَةَ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ وَلَا عَيْبَ فِي تَشْقِيصِهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ وَمِثْلَ الْفَائِتِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَلَوْ خَرَجَتْ السِّلْعَةُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَوْدُ فَسْخًا بِأَنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَوْدُ فَسْخًا بِأَنْ كَانَ مِلْكًا جَدِيدًا لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَكُنْ وَالْهَلَاكُ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لَا الْعَيْنَ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ لَكِنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إمَّا بِالزِّيَادَةِ وَإِمَّا بِالنُّقْصَانِ أَمَّا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِيهِ وَأَمَّا حُكْمُ النُّقْصَانِ فَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ بَابِ الْهَلَاكِ فَنَقُولُ إذَا انْتَقَضَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْمَبِيع هَلَاكُ جُزْءٍ مِنْهُ وَهَلَاكُ الْجُزْءِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّحَالُفِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا وَلَا يَأْخُذُ لِأَجَلِ النُّقْصَانِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ الْبَائِعُ بَعْدَ التَّحَالُفِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا وَلَا يَأْخُذُ لِأَجَلِ النُّقْصَانِ شَيْئًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْعَيْنِ يَأْخُذُ مَعَهَا النُّقْصَانَ كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ.
فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الثَّمَنُ عَيْنٌ وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ دِينٌ فَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْعَيْنِ هُوَ الْبَائِعَ بِأَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك جَارِيَتِي بِعَبْدِك هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ قَائِمَةً تَحَالَفَا وَتَرَادَّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» مِنْ غَيْرِ فِصَلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ فِي جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مَعَ يَمِينِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ هَلَاكِ السِّلْعَةِ وَقَدْ مَرَّتْ.
وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْعَيْنِ هُوَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت جَارِيَتَك بِعَبْدِي هَذَا وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتهَا مِنْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ قَائِمَةً يَتَحَالَفَانِ بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً يَتَحَالَفَانِ أَيْضًا إجْمَاعًا وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ إمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ السِّلْعَةِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَإِمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا؛ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُشْتَرِي ظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ؛ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ إلْزَامَ الْعَيْنِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا مِنْ وَجْهٍ مُنْكِرًا مِنْ وَجْهٍ فَيَتَحَالَفَانِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي عَيْنًا وَالْبَعْضَ دَيْنًا وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الْكُلَّ دَيْنًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك جَارِيَتِي بِعَبْدِك هَذَا وَبِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت جَارِيَتَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ وَهُوَ الْجَارِيَةُ قَائِمًا تَحَالَفَا بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ يَدَّعِيَ الْبَعْضَ عَيْنًا وَالْبَعْضَ دَيْنًا وَالْبَائِعُ يَدَّعِي الْكُلَّ دَيْنًا بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك جَارِيَتَك بِعَبْدِي هَذَا وَبِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ قَائِمَةً تَحَالَفَا وَتَرَادَّا بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً يَتَحَالَفَانِ أَيْضًا إجْمَاعًا إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا تُقَسَّمُ الْجَارِيَةُ عَلَى قِيمَة الْعَبْدِ وَعَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَذَلِكَ ثُلُثُ الْجَارِيَةِ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ وَمَا كَانَ بِإِزَاءِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْأَلْفُ وَذَلِكَ ثُلُثَا الْجَارِيَةِ يَرُدُّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ يَدَّعِي كُلَّ الثَّمَنِ عَيْنًا كَانَا يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ عَلَى مَا ذَكَرنَا وَلَوْ كَانَ كُلُّ الثَّمَنِ دَيْنًا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا يَتَحَالَفَانِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِذَا كَانَ يَدَّعِي بَعْضَ الثَّمَنِ عَيْنًا وَبَعْضَهُ دَيْنًا يَرُدُّ الْقِيمَةَ بِإِزَاءِ الْعَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِإِزَاءِ الدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ.
فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ فَنَقُولُ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ وَإِمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَإِمَّا أَنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ وَإِمَّا أَنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَمُضِيِّهِ جَمِيعًا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ أَمْرٌ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِوُجُودِهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّمَنِ هُوَ الْحُلُولُ وَالتَّأْجِيلُ عَارِضٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْأَصْلَ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِهِ وَقَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ صَارَ حَقًّا لَهُ بِتَصَادُقِهِمَا فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ وَالْمُضِيِّ جَمِيعًا فَقَالَ الْبَائِعُ الْأَجَلُ شَهْرٌ وَقَدْ مَضَى وَقَالَ الْمُشْتَرِي شَهْرَانِ وَلَمْ يَمْضِيَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْقَدْرِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُضِيِّ فَيُجْعَلُ الْأَجَلُ شَهْرًا لَمْ يَمْضِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْبَائِعِ فِي الْقَدْرِ وَلِلْمُشْتَرِي فِي الْمُضِيِّ عَلَى مَا مَرَّ هَذَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَأَمَّا إذَا هَلَكَ الْعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا أَوْ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ فَكَانَ قَبْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مِنْهُ فَيَجْرِي بَيْنَهُمَا التَّحَالُفُ إلَّا أَنَّ الْوَارِثَ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَقْبُوضَةً فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَوْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَالْأَصْلُ أَنَّ هَلَاكَ الْعَاقِدِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا فَكَذَا هَلَاكُ الْعَاقِدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّحَالُفِ كَذَا هَذَا وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَشْهُورَ يَمْنَعُ مِنْ التَّحَالُفِ لَكُنَّا عَرَفْنَاهُ بِنَصٍّ خَاصٍّ حَالَ قِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَحَالُفَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْمُتَبَايِعُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَارِثِ حَقِيقَةً فَبَقِيَ التَّحَالُفُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا أَوْ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا مَنْفِيًّا بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ.
أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ فَنَقُولُ لَا يَخْلُو الْمَبِيعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَاخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ مَعَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا».
وَإِنْ كَانَ دَيْنًا وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فَاخْتَلَفَا فَنَقُولُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (إمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ (وَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ (وَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى رَأْس الْمَالِ (فَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ (وَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ (وَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ (وَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ إيفَائِهِ (وَإِمَّا) إنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ التَّحَالُفَ بِالنَّصِّ.
وَاَلَّذِي يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ هُوَ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ رَبُّ السَّلَمِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْيَمِينِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَرَبِّ السَّلَمِ هُوَ الْمُشْتَرِي فَكَانَتْ الْبِدَايَةُ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ وَلَا إنْكَارَ مَعَ رَبِّ السَّلَمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّحْلِيفَ فِي جَانِبِهِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ أَيُّهُمَا بَدَأَ بِالدَّعْوَى يَسْتَحْلِفُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّعْيِينُ إلَى الْقَاضِي يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَيَبْدَأُ بِاَلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ شَرَطْت عَلَيْك الْإِيفَاءَ فِي مَكَانِ كَذَا وَقَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ شَرَطْت لَك الْإِيفَاءَ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ لَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُ حَتَّى كَانَ تَرْكُ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ مُفْسِدًا لِلسَّلَمِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ مَكَانُ الْإِيفَاءِ فِي الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالشَّرْطِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَالْأَجَلِ وَعِنْدَهُمَا مَكَانُ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ مَكَانًا لِلْإِيفَاءِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ السَّلَمُ بِتَرْكِ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُمَا فَكَانَ الْمَكَانُ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيُوجِبُ التَّحَالُفَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَنَقُولُ لَا يَخْلُو (إمَّا) أَنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ.
(وَإِمَّا) أَنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ (وَإِمَّا) أَنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ (وَإِمَّا) أَنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَمُضِيِّهِ جَمِيعًا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَاحْتَجَّ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا»؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي صِفَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلسَّلَمِ بِدُونِ الْأَجَلِ كَمَا لَا صِحَّةَ لَهُ بِدُونِ الْوَصْفِ فَصَارَ الْأَجَلُ وَصْفًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْعًا فَيُوجِبُ التَّحَالُفَ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الدَّيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ كَالْأَجَلِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَكَذَا فِي الصِّفَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَحَالَفَا فَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ هُوَ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ وَالْمُسَلَّمُ إلَيْهِ يَدَّعِي الْفَسَادَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ وَالْمُتَعَنِّتُ لَا قَوْلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ السَّلَمُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ السَّلَمِ وَيَفْسُدُ السَّلَمُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا (وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ الْأَجَلَ أَمْرٌ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ السَّلَمِ حَقًّا عَلَيْهِ شَرْعًا وَإِنَّهُ مُنْكِرٌ ثُبُوتَهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي الشَّرْعِ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ بِدَعْوَى الْأَجَلِ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْإِنْكَارِ يَدَّعِي فَسَادَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَلِّمِ اجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ وَمُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَعْصِيَةٌ وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَصْلِ الْأَجَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْآجَالِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى شَهْرٍ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبّ السَّلَمِ لِمَا ذَكَرنَا أَنَّ الْأَجَلَ أَمْرٌ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَرْجِعُ فِي بَيَانِ الْقَدْرِ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَصُورَتُهُ إذَا قَالَ رَبُّ السَّلَمِ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَدْ مَضَى وَقَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ كَانَ شَهْرًا وَلَمْ يَمْضِ وَإِنْ أَخَذْت السَّلَمَ السَّاعَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا عَلَى أَصْلِ الْأَجَلِ وَقَدْرِهِ فَقَدْ صَارَ الْأَجَلُ حَقًّا لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمُضِيِّ قَوْلَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَمُضِيِّهِ جَمِيعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ فِي الْقَدْرِ وَقَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِرَبِّ السَّلَمِ فِي الْقَدْرِ وَلِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى رَأْسُ الْمَالِ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا أَيْضًا سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ لِمَا قُلْنَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ هاهنا هُوَ رَبُّ السَّلَمِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُنْكِرُ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا جَمِيعًا فَكَذَلِكَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِهِمَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَفِيهِمَا أَوْلَى وَالْقَاضِي يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.